طلال الرشيد: حين اغتيل الجسد، ونجت القصيدة

تأمل إنساني في حياة طلال الرشيد، ما بين الشعر والغياب.

سارة الحربي
في بيت١١ أغسطس ٢٠٢٥

في كل عدد، سوف نقترب من شاعر، ومن أنفسنا قليلًا…

لا لنقرأ شعره فقط، بل لنفهمه كما عاشه، كما كتبه، وكما وصلنا.

أبدأ نشرتي الشعرية الأولى باستذكار شاعرٍ غاب جسده، لكن بقيت كلماته حاضرة…

الملتاع الأمير طلال الرشيد، الذي عُرف بإنسانيته، وفزعته، وكرمه، لم يُختتم عزاؤه بثلاثة أيام كما العادة، بل استمر لخمسة وعشرين يومًا… من محبة الناس وتقديرهم له

BAYIT Cover(1).jpg

أبدأ بطلال الرشيد، إذ إنه لم يكن شاعرًا اعتياديًا، بل كان يعبر عما نخجل قوله، ويكتبه ببساطة تُشبهنا… وتوجعنا.

طلال الرشيد، أو “الملتاع” كما كان يُحب أن يُلقب، عاش بالشعر ومات في طريقه.

تعددت الروايات حول أسباب اغتياله، وتنوعت القصص، لكننا لسنا هنا لنخوض في تفاصيلها.

نحن هنا لنكتب عن طلال الإنسان، لا العناوين الإخبارية… عن الشاعر الذي ترك في قلوبنا أثرًا لا يبدده الغياب.

عاش طلال الرشيد طفولته يتيمًا، بعد أن فقد والده في سنته الأولى.

رغم هذا الفقد المبكر، كبر بقلب طيب، يفتح بابه للمحتاج، ويفزع لكل من طلبه، ويحرص ألا يخرج أحد من بيته إلا وهو راضٍ ومسرور.

كان شاعرًا مثقفًا، حكيمًا، طيب القلب، بسيطًا في كلماته، لكنه عميق في إحساسه.

من يقرأ طلال، يعرف أنه لم يكن يحب التجمل ولا المبالغة، كان يقول الأشياء كما هي: صادقة، وموجعة.

كتب عن الحب، والغياب، والخوف، والحنين، والضعف، والرثاء…. وأيضًا كتب دفاعًا عن نساء جزيرته.

كان يعيش خلف ستار، ويظهر ذلك جليًا في قصائده، وفي كلماته التي تبدو بسيطة لكنها محملة بما لا يُقال، وفي قدرته العجيبة على تحويل الألم إلى أبيات استثنائية لن تتكرر.

استطاع طلال أن يصل إلى قلوب كثير من الناس، لأن كلماته كانت صادقة وقريبة، تخاطب الإنسان في داخله، لا مستواه أو ثقافته.

في قصيدته الشهيرة بنت الجزيرة، كتب طلال الرشيد مدافعًا عن المرأة الخليجية، ردًا على أحد الشعراء الخليجيين الكبار، الذي كتب قصيدة يصف فيها الجمال في إحدى الدول العربية، مجحفًا في حق المرأة الخليجية ومُقللًا من شأنها.

طلال لم يوجه رده لذلك الشاعر وحده فقط، بل أوضح أن القصيدة جاءت ردًا على كثير من شعراء وكتّاب خليجيين وغير خليجيين، ممن اعتادوا التهجم على المرأة الخليجية والنيل منها في كتاباتهم.

وقد شعر طلال أن من واجبه أن يتحدث، وأن يكتب، فكان رده من خلال هذه القصيدة، التي قال في مطلعها:

ماني من يهوى سريا وأنصاف

أنا هواي وبس بنت الجزيرة

بنت الخليج اللي تماري بالأعراف

وحنا نماري باسمها كل ديرة

وتُعد بنت الجزيرة من أبرز قصائد طلال الرشيد وأكثرها تداولًا.

بعد الحديث عن موقف طلال الرشيد في دفاعه عن المرأة الخليجية من خلال قصيدته، ننتقل الآن إلى موقف شخصي حدث له في لقاء تلفزيوني، تغير فيه لقب تقديمه على الهواء، وكان رده عليه من خلال واحدة من أشهر قصائده كذلك.

في أحد اللقاءات، قدمت المذيعة طلال في بداية الحلقة بقولها: “رحبوا بالشاعر الأمير طلال الرشيد”، وهو اللقب الذي اعتاد الناس على مناداته به، وخلال الحلقة، طُلب منها أن تتوقف عن استخدام لقب “الأمير”، فخرجت لفاصل، ثم عادت وقد تغير أسلوبها، فأصبحت تناديه بـ”الشيخ طلال”! استغرب طلال هذا التغير، ولما سأل عن السبب، أُبلغ بما حدث.

لم يكن بحاجة للرد المباشر… فاختار أن يكتب.

وجاء رده في قصيدة تحمل موقفه وكبرياءه، قائلاً:

يا صغيرٍ ما يكبرني لقب

وما يصغرني إذا أنكرني صغير

ما خذينا الصيت من جمع الذهب

ولا نسب شيخ ولا قربه وزير

ورغم مرور السنوات، لا يزال غياب طلال الرشيد حاضرًا في قلب ابنه الأكبر نواف، الذي كان مرافقه في رحلة القنص الشهيرة بالجزائر عام 2003، والتي فقد والده رحمه الله فيها.

كانت لحظة موجعة، لم يستطع الزمن أن يخفف من أثرها أو يمحو ألمها على الابن نواف.

لم يجد نواف وسيلة للتعبير عن حزنه بوالده إلا بالشعر، فكتب قصيدة، قال فيها:

مرات أحس إن ضحكتي بعدك عقوق

مرات أحس إن البكا سر لرضاك

ما عوض غيابك من الناس مخلوق

أطرد سرابك بينهم وأرجع أظمأك

قلت لدموعي يوم سالت من الموق

إنك مسافر، يا عسى العين تسلاك…

ما ودعتنا القصيدة برحيل طلال، ولا انطفأ حسه في قلوبنا.

وفي نهاية تدوينتي الأولى، لا أجد ختامًا أصدق من قول الشاعر طلال الرشيد:

"ليت ربي ما كتب لحظة وداع.."