متعب التركي: من العشق إلى الوعظ

رحلة شاعر سعودي بدأ بأعذب قصائد الغزل وانتهى بأصدق القصائد الوعظية.

سارة الحربي
في بيت٤ سبتمبر ٢٠٢٥

في مسيرة الشعر، يبرز بعض الشعراء كعلامات فارقة، مهما قصرت رحلتهم في الساحة الشعرية. ومن هؤلاء الشاعر السعودي متعب التركي المطيري، الذي بدأ بأعذب قصائد الغزل، ثم اتجه إلى الشعر الوعظي، قبل أن يختار الاعتزال في ذروة حضوره. ومع ذلك، ظل اسمه وقصائده شاهدة على مرحلة ذهبية في تاريخه وتاريخ الشعر الشعبي.

BAYIT Cover(1).jpg

تميز الشاعر متعب التركي في بداياته بقصائده الغزلية الرقيقة، التي وجدت صداها، وجعلت له حضوراً خاصاً في الساحة. ثم انتقل لاحقاً إلى القصائد الوعظية، ليؤكد أن الشعر ليس محصوراً في جانب واحد، بل له وجوه عدة تعبر عن الحياة بكل ألوانها.

ومع نضج تجربته الشعرية وترسخ مكانته بين شعراء الساحة، اختار الالتزام والابتعاد عن الأضواء، ليضع نقطة النهاية لمسيرته الشعرية.

وقد شبه النقاد مسيرته بمسيرة أبي العتاهية في الشعر الفصيح، حيث جمع بين الغزل والوعظ، وبين العاطفة والإيمان، فكانت قصائده انعكاساً صادقاً لمشاعره وتجربته.

لم يستمر في الشعر سوى أربع سنوات، ثم اتخذ قرار الاعتزال قبل انتقاله من الكويت إلى السعودية بأشهر قليلة لكنها كانت كافية ليترك بصمته.

كانت الكويت مسرح حياته: طفولته، دراسته، بداية زواجه، وحتى بدايات شعره ونهايته، وشاهدت أغلب أحداثه. هناك نشر قصائده في المجلات والتلفاز، وكان معلماً قبل أن يصبح شاعراً، وبعد اعتزاله عاد إلى السعودية ليعمل في الإدارة التعليمية بحفر الباطن.

رغم اعتزاله، رفض الشعر أن يغادر اسمه. فقصائده بقيت تتداول منذ بداياته وحتى اليوم، لأنها جاءت صادقة عذبة، وتلامس القلب، مثله.

ومن أبياته الشهيرة:

«مشكور يا بايع مشاعرك مشكور العام ذنب وهالسنة ذنْب ثاني

وش عاد أقول ولا بقى شيّ مستور ؟ ما طعتني يوم ابتسم لي زماني».

«قالوا حبيبك يسمع الشعر قلت إيه يقراه بعيوني قبل تسمعونه

لولاه حتى طاري الشعر مابيه مير اكتبه من شان خاطر عيونه».

معظم قصائده كانت تدور حول الندم والخذلان ووجع الحب وضياع العمر، الشعر بالنسبة له كان وسيلة للتعبير عن حزنه، حتى أصبح يعرف بـ"الشاعر الحزين"حيث اختصر في أربع سنوات من حياته كل مشاعره وتجربته في أبيات رسخت في قلوب جمهوره.

في عام 2022، أي قبل ثلاث سنوات من الآن، ظهر متعب التركي في مقابلة مع المذيع محمد الخميسي ضمن برنامج "وينك" على قناة روتانا، بعد انقطاعه عن الساحة إثر اعتزاله. وفي هذه المقابلة قال عن شعره:

"بقاء هذه القصائد وتداولها إلى هذا اليوم عند الناس يعطيني انطباع أنها جيدة، ولكن بشكل ما أشعر أنني أعطيت الشعر أكثر مما يستحق."

عند بداية التزامه، كتب قصائد وعظية حملت صدق التجربة والتوبة، أشهرها قصيدة “الموت هين”:

(الموت هين والبلا وش ورا الموت

عند الحساب .. يهون سهم المنايا

باكر نموت وتصبح قبورنا بيوت

وعقب القصور بضيقات الزوايا…)

هذه القصيدة تحولت إلى نشيدة وانتشرت بشكل واسع، لأنها تعكس صدق تجربته وتحوله الداخلي وإيمانه.

من أبرز محطات حياته قصة جمعته بالملك سلمان – حين كان أمير الرياض –.

في عام 2006، كتب متعب قصيدة يناشد فيها إيقاف إحدى حلقات برنامج "طاش ما طاش" التي انتقدت الملتزمين دينياً، وأرسلها إلى مجلة المختلف.

المجلة رفعت الأمر لمكتب الأمير سلمان، الذي وافق على نشرها.

وبعد أن علم متعب بموافقة الملك سلمان على نشر قصيدته، قال في مديحه:

«يا سيدي سلمان يا الضاحك الباش .. يا من تهابه في غضبه ومزاحه

لو أنه أعزل، وأنت في يديك رشّاش .. تخاف منه، وتستظل في جناحه».

متعب التركي، رغم قصر مسيرته، ترك بصمة واضحة على الساحة الشعرية. قصائده كانت مرآة حياته بكل تفاصيلها: حب صادق، ألم عميق، التزام صريح، وعزلة اختارها بنفسه، فصاغ من وجعه وفرحه وألمه كلمات صادقة ما زالت تلامس قلوب جمهوره حتى اليوم.