الملك فيصل بن عبدالعزيز
ولد ملكًا
من خلال التوحيد الذي بدأه الملك عبدالعزيز ، استمر الملك فيصل في جعل المملكة نموذجًا يحتذى به، من خلال تطوير اقتصادها، تعزيز استقلالها، وتوسيع دائرة التعليم في كل جوانب الحياة. هذا التوسع والتطور في مختلف المجالات هو ما يجعل ذكرى يوم التأسيس اليوم أكثر إشراقًا، ويؤكد أن المملكة لم تقتصر فقط على توحيد الأراضي، بل عملت على توحيد الفكر والمجتمع أيضًا.
عندما نتحدث عن الملك فيصل بن عبدالعزيز، فإننا نتحدث عن قائد استثنائي كان له دور حيوي في تحويل المملكة العربية السعودية إلى دولة حديثة. لم يكن الملك فيصل مجرد ملك، بل كان رمزًا للإصلاح والحداثة، وأحد القادة الذين أدركوا أهمية الموازنة بين التراث والتطور. اتسمت سياساته وحكمه بالحنكة والبُعد الاستراتيجي، وركز على بناء دولة قوية ومستقلة.
الملك فيصل في صباه
منذ صغره، أظهر الملك فيصل سمات القيادة والتفكير الاستراتيجي. في سن الرابعة عشرة، تم إرساله إلى بريطانيا كمبعوث ملكي لتوثيق العلاقات مع القوى الغربية. كانت هذه الرحلة بمثابة اختبار حقيقي لشخصيته القيادية. في 1919، لم يكن الملك فيصل مجرد طفل في محفل دبلوماسي، بل كان شابًا يتحدث بثقة عن مصلحة المملكة وحقوقها. هذه الرحلة جعلت منه سفيرًا حكيمًا للمملكة، وأعطته فرصة لصقل مهاراته في التفاوض والتواصل الدولي.
الحنكة والدهاء في القيادة
الملك فيصل كان واحدًا من أعظم القادة السياسيين في تاريخ المملكة. منذ بداية حكمه، ركز على رسم سياسة خارجية متوازنة، تُعلي من مكانة المملكة في العالم العربي والدولي. كان معروفًا بعلاقاته الاستراتيجية مع الدول الكبرى في الشرق والغرب، وبمواقفه الثابتة في قضايا المنطقة. من أبرز المحطات في سياساته الخارجية كان قراره التاريخي في حرب 1973.
قرار حظر النفط

الملك فيصل رحمة الله ، يصلي في مسجد لندن المركزي " مسجد ريجنتس بارك " في 12 مايو1967.
في عام 1973، كان الملك فيصل في طليعة القادة الذين استخدموا النفط كأداة سياسية. في سياق حرب أكتوبر، كان قرار حظر تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل بمثابة قرار استراتيجي عالمي، حيث ساعد على تحريك المواقف السياسية في الشرق الأوسط وأدى إلى تغييرات كبيرة في الاقتصاد العالمي. هذا القرار ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل كان رسالة قوية مفادها أن المملكة قادرة على التأثير في سياسات القوى العظمى.

القضية التي كانت شاغله الأول
ولو أجمع العرب جميعا على أن يرضوا بوجود إسرائيل وبتقسيم فلسطين فلن ندخل معهم في هذا الاتفاق، لا يهمنا أن يزعل الغرب أو أن يتكدر الشرق والغرب، لأن الشرق والغرب اتفقوا على هضم حقوق العرب وسلب أراضيهم المقدسة
أحد الأبعاد الأخرى التي شكلت جزءًا كبيرًا من شخصية الملك فيصل كان دعمه اللامحدود للقضية الفلسطينية. منذ بداية حكمه، أخذ الملك فيصل على عاتقه تبني قضية فلسطين على كافة الأصعدة، سواء على مستوى المنظمات الدولية أو من خلال الضغوط السياسية على الدول الكبرى.
في عام 1967، وبعد نكسة حرب 1967، كانت فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكان الملك فيصل في طليعة القادة العرب الذين نددوا بالعدوان الإسرائيلي وأصروا على تقديم الدعم المادي والسياسي للشعب الفلسطيني. خلال مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الجزائر عام 1973، صرح الملك فيصل: "إن فلسطين هي القضية المركزية للعرب، ولن نهدأ حتى نرى القدس عاصمة لفلسطين".
لم يقتصر دور الملك فيصل على الدعم السياسي، بل شمل أيضًا الدعم المالي، حيث سعى إلى جمع المساعدات المالية للفلسطينيين، وساند المنظمات الفلسطينية في محافل مختلفة، كما استخدم النفط كأداة ضغط سياسية ضد الدول المتواطئة مع إسرائيل.
البناء والتنمية
كان الملك فيصل يدرك تمامًا أن البناء الحقيقي للأمم لا يتوقف عند القرارات السياسية فقط، بل يشمل أيضًا الاستثمار في العقول. لهذا السبب كان اهتمامه الأول هو التعليم، سواء من خلال المدارس أو الجامعات أو الابتعاث الخارجي. في عهده، تم إنشاء العديد من المؤسسات التعليمية، مثل جامعة الملك فيصل في الدمام عام 1975، وقد رافق ذلك دعم لافت للمرأة في التعليم.
التعليم هو أساس التقدم
أنشأ الملك فيصل المدارس وأرسل البعثات التعليمية للخارج، ليرتقي بالمستوى العلمي في المملكة. كما كان في طليعة دعم تعليم المرأة، رغم التحديات المجتمعية. فتح باب التعليم أمام الفتيات، فكانت هذه خطوة جريئة لتمكين المرأة السعودية من المساهمة الفاعلة في المجتمع. وقد قال الملك فيصل في أحد تصريحاته الشهيرة: "تعليم المرأة ليس رفاهية بل ضرورة حيوية لتقدم المجتمع"، معبرًا عن إيمانه العميق بأن المرأة عنصر أساسي في أي نهضة وطنية.
في عهده، تأسست أولى المدارس للبنات في المملكة، وفتحت الأبواب أمام النساء للحصول على تعليم أكاديمي، بما في ذلك التعليم العالي، ما مهد الطريق لدورهن الفاعل في مختلف المجالات.

أنشأت الأمير عفت الثنيان مدرسة (دار الحنان) في جدة عام 1955
المشروعات التنموية
استثمر الملك فيصل في بناء البنية التحتية، من الطرق والموانئ والمطارات، لتصبح المملكة دولة متطورة على الصعيد الاقتصادي والتجاري. كان هدفه أن يجعل المملكة قادرة على الاعتماد على نفسها في مجالات عدة، خاصة من خلال الزراعة وصناعة النفط، ما جعله يضع أسسًا اقتصادية قوية.
التحول نحو العدالة والمساواة
كان الملك فيصل من القادة الذين آمنوا بحقوق الإنسان بشكل عميق، وكان إلغاء العبودية أحد أبرز إنجازاته. في عام 1962، قرر الملك فيصل إلغاء العبودية في المملكة بشكل كامل، ما كان يمثل خطوة شجاعة وإنسانية في اتجاه الحداثة. لم يكن هذا القرار مجرد إزالة لممارسات قديمة، بل كان أيضًا دعوة للعدالة والمساواة بين جميع المواطنين.

تأثير القرار على المجتمع السعودي
حين ألغى الملك فيصل العبودية، كان يهدف إلى دمج المحررين في المجتمع بشكل كامل، ولذلك تبنى سياسات تدعم اندماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. تم إنشاء برامج لتعليم المحررين وتوفير فرص عمل لهم، ما مهد لهم طريقًا للمشاركة في تنمية المملكة. بهذا القرار، وضع الملك فيصل المملكة على طريق المجتمع المتساوي الذي يقوم على العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
عهد الملك فيصل: أساسات الدولة ومسار التطور
اليوم، وبعد مرور أكثر من خمسين عامًا على وفاته، لا يزال إرث الملك فيصل حاضرًا في كل جانب من جوانب الحياة في المملكة العربية السعودية. من قراراته الشجاعة في السياسة الخارجية، إلى إصلاحاته في التعليم والاقتصاد، يُعتبر الملك فيصل قائدًا إصلاحيًا حقيقيًا ساهم في تحقيق النهضة التي تشهدها المملكة اليوم.
إن أعماله، التي كانت مستوحاة من مبادئ العدل والإصلاح، تشكل أساسًا للمملكة التي نراها اليوم، والتي تُسهم في تحقيق رؤية 2030 تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان.

الملك فيصل في لندن عام 1919، شابٌ في الرابعة عشرة يحمل على عاتقه تمثيل وطنه بكل فخر، ليخطو أولى خطواته في مسيرة قيادة ملهمة.