كل قرار تخزين هو قرار مالي، وكل ترتيب على الرفّ قد يغيّر مسار الأرباح
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥
تخيّل أنك مدير مخزون في شركة كبيرة، وتصل إليك الشحنات على دفعات متتالية — كل دفعة تحمل تاريخًا وسعرًا مختلفًا. تقف أمام رفوف ممتلئة وتفكر: هل أبيع المنتجات التي وصلت أولًا؟ أم أبدأ بتلك الحديثة التي وصلت للتو؟ سؤال بسيط في ظاهره، لكنه يختصر جوهر إدارة المخزون الحديثة.

في عالم العمليات والإنتاج، يعتمد هذا القرار على مفهومين رئيسيين: FIFO و LIFO.
ورغم أن المصطلحين يبدوان تقنيين، إلا أنهما في الواقع يعكسان فلسفتين مختلفتين لإدارة الموارد وتنظيم الحركة داخل أي مخزن أو منشأة إنتاجية.
طريقة FIFO تعني أن أول ما يدخل المخزون هو أول ما يخرج منه.
بعبارة أخرى، المنتجات الأقدم هي التي تُباع أولاً.
يُستخدم هذا النظام عادة في المخازن التي تتعامل مع مواد سريعة التلف أو محدودة الصلاحية، مثل الأغذية أو الأدوية أو مستلزمات المختبرات. فبيع المنتجات القديمة أولاً يضمن الحفاظ على الجودة وتقليل الفاقد الناتج عن انتهاء الصلاحية.
تخيّل مثلًا أنك تدير صيدلية.
كلما استلمت دفعة جديدة من الأدوية، تُرتّبها في الخلف وتترك القديمة في المقدمة.
وبذلك، تُباع الأدوية التي وصلت أولًا قبل غيرها، فيبقى المخزون دائمًا متجددًا دون خسائر.
هذه البساطة في الفكرة تجعل من FIFO خيارًا مثاليًا حين تكون الجودة والاستمرارية هما الأولوية القصوى.
أما في طريقة LIFO، فالأمر معكوس تمامًا.
ما يدخل أخيرًا إلى المخزون هو أول ما يُباع.
تُستخدم هذه الطريقة غالبًا في بيئات تتغير فيها الأسعار باستمرار، أو عندما يرغب المدير في بيع المنتجات الأحدث أولًا.
تخيّل أنك تمتلك متجرًا لألعاب الفيديو.
في كل موسم، تصلك نسخ جديدة بتحديثات وألعاب أحدث من سابقتها.
باستخدام طريقة LIFO، تضع الدفعات الجديدة في المقدمة، لتُباع أولًا قبل النسخ القديمة.
هذه الطريقة قد تساعدك في مجاراة السوق بسرعة، وتمنحك مرونة أكبر في التعامل مع المنتجات المتجددة باستمرار.
الاختيار بين الطريقتين لا يعتمد فقط على نوع المنتجات، بل أيضًا على طبيعة السوق واستراتيجية الشركة المالية.
فطريقة FIFO تجعل المخزون يعكس أسعار السوق القديمة، مما يُظهر الأرباح بشكل أكثر واقعية، لكنها قد تؤدي إلى دفع ضرائب أعلى في حالة ارتفاع الأسعار.
أما LIFO، فقد تُظهر تكاليف أعلى للأصناف المباعة — لأنها تعتمد على الأسعار الحديثة — مما يقلل الأرباح المحاسبية مؤقتًا، لكنه قد يكون مفيدًا للشركات في فترات التضخم أو تغير الأسعار السريع.
في النهاية، لا توجد طريقة صحيحة وأخرى خاطئة، بل توجد طريقة مناسبة حسب احتياج كل نشاط.
المهندس أو المدير الذكي هو من يدرك أن إدارة المخزون ليست مجرد حفظ للبضائع، بل إدارة للزمن والمال والمساحة في آنٍ واحد.