شركة سعودية تقرر أن تكتب مستقبل الذكاء الاصطناعي بلغتها.
١٨ يونيو ٢٠٢٥
في كل مرة نستخدم فيها ChatGPT أو أي مساعد ذكي، نُدرك في قرارة أنفسنا أن اللغة العربية لا تحتل المركز في هذه النماذج، بل تقف على الهامش. لا لأن الآلة "تفكر" بالإنجليزية، فهي لا تفكر أصلًا، ولا تتحدث بأي لغة كما نفعل، بل لأن البنية التي تقوم عليها دُربت على كم هائل من النصوص الإنجليزية، في حين جاءت العربية لاحقًا، كمُلحَق، كإضافة متأخرة.
عندما نسمع عن الذكاء الاصطناعي، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن غالبًا أسماء مثل OpenAI وGoogle DeepMind. تُطوّر النماذج اللغوية هناك، وتُدرَّب على مليارات الكلمات من لغات العالم، بينما تظل العربية في الهامش لا في القلب.
طوال سنوات، بقي العالم العربي في موقع المتلقّي: نستهلك التقنيات، نترجم الواجهات، ونراقب الابتكار من بعيد. حتى ظهرت محاولات مثل نموذج CAMeL الإماراتي، ومبادرة “علّام” السعودية من سدايا، التي مثّلت خطوة مهمة نحو تمكين اللغة العربية في سياق الذكاء الاصطناعي.
لكن إعلان المملكة في مايو 2025 عن إطلاق شركة "هيوماين" (Humain) مثّل لحظ فارقة. ليست هيوماين أول من تعامل مع اللغة العربية، لكنها أول شركة وطنية مستقلة تُنشأ خصيصًا لبناء نماذج لغوية عربية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بهوية سعودية خالصة، وبطموح يتجاوز التطبيقات، إلى بناء بنية تحتية معرفية وتقنية متكاملة.
لم يكن المشروع مجرّد مبادرة تقنية، بل خطوة استراتيجية تنسجم مع رؤية السعودية 2030، وتعيد رسم موقعنا في خريطة التقنية العالمية: من مجرد مستخدمين إلى صُنّاع ومساهمين في إنتاج المعرفة والابتكار.
أنها ليست مجرد شركة تقنية. هيوماين مشروع دولة، يقوده سمو ولي العهد بنفسه، ويجسّد واحدًا من أكثر التحولات طموحًا في رؤية السعودية 2030 وهو أن تتحول المملكة من مستهلك للتقنية، إلى صانع يقود المستقبل بلغته وهويته.
في قلب المشروع، يتم تطوير "علّام"، نموذج لغوي عربي متقدم لا يكتفي بفهم اللغة الفصحى فقط، بل يستوعب لهجات المنطقة وسياقاتها الثقافية بدقة. "علّام" يعمل بكفاءة متعددة الوسائط، ويدعمه تكامل تقني مع أدوات حوسبة عالية الأداء مثل Groq، ما يمكّنه من إجراء المعالجة الفورية والفهم العميق في الوقت نفسه.
لكن المشروع لا يقتصر على النموذج فقط، بل يشمل بناء مراكز بيانات من الجيل الجديد داخل المملكة، ومنصات سحابية متطورة تُهيّأ لاستضافة الذكاء الاصطناعي الوطني وتقديمه كخدمة فعّالة للقطاعين العام والخاص
هيوماين لا تستهدف قطاع التقنية وحده، بل تمتد لتفعيل الذكاء الاصطناعي في الصحة، والطاقة، والصناعة، والخدمات المالية، عبر توفير حلول متكاملة تربط بين البيانات والتقنيات.
على المدى البعيد، تستثمر هيوماين في بناء الإنسان، عبر استقطاب أفضل العقول العالمية، وتأهيل الكفاءات الوطنية، مع تركيز خاص على امتلاك الحقوق الفكرية وتوطين الابتكار، لتعزيز السيادة التقنية.
ومع تصدُّر المملكة للمؤشر العالمي لاستراتيجيات الذكاء الاصطناعي الحكومي في 2024، تأتي هيوماين لتُرسّخ هذا الموقع، وتدفع بالمملكة خطوة أخرى نحو أن تكون مركزًا عالميًا لصناعة الذكاء.
في تحرّك يُجسّد بُعدًا جديدًا من الطموح السعودي في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلنت “هيوماين” عن إطلاق صندوق استثماري ضخم باسم Humain Ventures، بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، بدعم مباشر من صندوق الاستثمارات العامة (PIF). هذا الصندوق يعد من أكبر صناديق الاستثمار المتخصصة في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، ويهدف إلى تمويل الشركات الناشئة، دعم الابتكار، وتسريع تطوير البنية التحتية التقنية داخل المملكة وخارجها.
يستهدف الصندوق تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، تشمل:
• تمويل الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي
• توسيع الاستثمارات التقنية في أهم الأسواق العالمية، تحديدًا في الولايات المتحدة، أوروبا، وآسيا
• توطين التقنية وبناء قدرات بشرية وتقنية في المملكة.
كما تواصلت هيوماين مع عدد من كبار القادة في مجال التقنية والذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، من أبرزهم:
الهدف من هذه الشراكات هو تبادل المعرفة، وتأسيس مشاريع تقنية مشتركة، وضمان تدفق مستدام للتقنيات والخبرات العالمية إلى المملكة.
بجانب الاستثمار المالي، تستثمر هيوماين بقوة في تطوير البنية التحتية الرقمية عبر:
توقيع اتفاقيات بقيمة 23 مليار دولار مع شركات كبرى مثل:
وايضًا إنشاء مراكز بيانات عملاقة بقدرة:
كل هذا باستثمار متوقع ان يصل إلى 77 مليار دولار.
والهدف؟ ان تكون السعودية مسؤولة عن 7% من كل عمليات تدريب وتشغيل الذكاء الاصطناعي في العالم.
مايحدث اليوم ليس مجرد دخول للسعودية في سباق الذكاء الاصطناعي، بل إعلان واضح عن نية قيادة السباق.
هيوماين ليس تجربة عابرة، ولا صندوق الذكاء استثمارًا عشوائيًا، بالعكس هم إشارات واضحة للعالم ان المملكة لم تعد تكتفي باستهلاك التقنية، وإنما تصمم مستقبلها وتساهم في تشكيل معاييره.
من بناء النماذج اللغوية العربية، إلى استقطاب أفضل العقول، إلى توقيع شراكات استراتيجية مع عمالقة الصناعة، تتحرك السعودية بميزانية، وبخطة، وبثقة لاتعرف التردد.
هذه ليست نهاية الطريق، بل بدايته. السؤال هنا يقول: إلى أي مدى ستصل بنا هيوماين؟