وراء كل رقم قرار، ووراء كل دالة حكاية عن كفاءة وإنتاجية
٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥
تخيّل أنك تمتلك مصنعًا ينتج العديد من المنتجات يوميًا. أمامك عشرات القرارات التي يجب أن تُتخذ: كم تنتج؟ بأي سرعة؟ وبأي تكلفة؟ في هذا العالم المليء بالأرقام والمعادلات، تظهر دالتان بسيطتان في ظاهرها، لكن عميقتان في أثرهما: MIN و MAX.

قد تبدو هاتان الدالتان مألوفتين منذ أيام الدراسة، حيث تعلمنا أن دالة MAX تُستخدم لإيجاد أكبر قيمة بين مجموعة من القيم، ودالة MIN لإيجاد أصغر قيمة. ولكن في بيئة المصانع والإنتاج، لا تُستخدم هذه الدوال كأرقام جامدة في ورقة، بل كأدوات تحليلية تساعد المهندسين على اتخاذ قرارات تؤثر مباشرة في الأرباح، والكفاءة، ووقت الإنتاج.
فعندما يريد المهندس معرفة الحد الأقصى لما يمكن أن يقدّمه المصنع من إنتاج باستخدام الموارد المتاحة، فإنه يلجأ إلى مفهوم MAX. هذه الدالة لا تعني فقط أكبر رقم، بل تمثّل أقصى طاقة يمكن للنظام أن يعمل بها دون تجاوز حدوده. على سبيل المثال، إذا كان في المصنع عدد من الآلات تعمل لساعات محددة يوميًا، وتحتاج كل آلة إلى وقت معين لإنتاج وحدة واحدة، فباستخدام أسلوب يشبه دالة MAX، يمكن للمهندس أن يحدد أعلى كمية يمكن إنتاجها في اليوم الواحد دون أن تتعطل العمليات أو تتكدس الموارد.
هذا النوع من التحليل يساعد الإدارة على وضع خطط إنتاج دقيقة، وتحديد الأهداف الواقعية بناءً على قدرات المصنع الفعلية، لا على التقديرات أو التوقعات. إنه طريق للوصول إلى أقصى إنتاج ممكن بأقل هدر للوقت والطاقة.
فبينما تسعى دالة MAX إلى الوصول إلى أقصى إنتاج، تسعى MIN إلى الوصول إلى أدنى تكلفة. في بيئة التصنيع، كل ريال يُنفق يجب أن يكون محسوبًا بعناية. هنا يأتي دور MIN لتقليل التكاليف دون التأثير في جودة المنتج أو كفاءة العملية.
على سبيل المثال، عندما تتوافر أمام المهندس خيارات متعددة من المواد الخام بأسعار مختلفة، يستخدم مبادئ تشبه دالة MIN لتحديد الخيار الأمثل الذي يحقق أقل تكلفة ممكنة مع الحفاظ على مستوى الجودة المطلوب. وقد يمتد هذا التفكير إلى مراحل أوسع — كاختيار الموردين، أو تصميم خطوط الإنتاج، أو حتى جدولة الصيانة بحيث تكون في أوقات تقل فيها الخسائر الناتجة عن توقف العمل.
وبين هاتين الدالتين، MAX و MIN، يعيش المهندس الصناعي توازنه الدائم. فهو لا يكتفي بالسعي نحو الحد الأعلى من الإنتاجية، ولا يركز فقط على تقليل التكاليف، بل يبحث عن نقطة التوازن المثالية بينهما — النقطة التي يتحقق فيها الإنتاج بأفضل كفاءة وأقل تكلفة. هذه هي فلسفة الإدارة الصناعية الحديثة: تحقيق أقصى ما يمكن بأقل ما يمكن.
تطبيق هذا المبدأ لا يقتصر على المصانع الكبيرة فحسب، بل يمكن أن يُطبّق على أي مشروع إنتاجي مهما كان حجمه. فصاحب الورشة الصغيرة أو المشروع المنزلي الذي يوازن بين جودة المواد وتكلفتها، وبين سرعة الإنتاج ودقته، يمارس عمليًا مفهوم MIN & MAX حتى دون أن يسميه بذلك.
إن فهم هاتين الدالتين على نحو عميق يعني امتلاك لغة يفهمها كل من يسعى لتحسين الأداء وتحقيق النمو المستدام. فكل قرار إنتاجي، مهما بدا بسيطًا، يحمل داخله معادلة خفية بين ما يمكن تحقيقه في الحد الأعلى، وما يمكن تجنّبه في الحد الأدنى.
ولو تخيّلت نفسك اليوم في موقع صاحب المصنع، تحدّق في خطوط الإنتاج وهي تعمل، وتفكر في كيفية تسريع وتيرتها أو خفض تكلفتها، فربما ستجد نفسك تستخدم عقلية MAX حين تفكر في رفع الكفاءة، وعقلية MIN حين تحاول تقليل الهدر. وبين الاثنين، هناك المساحة التي تُصنع فيها القرارات الذكية التي تبني مستقبل أي صناعة ناجحة.
في تخصص الهندسة الصناعية، تُعتبر دوال MIN و MAX جزءًا أساسيًا من موضوع يُعرف باسم بحوث العمليات (Operations Research). يتعلّم الطلاب من خلالها كيف يمكن تحويل التحديات الواقعية — مثل تحديد الكميات المثلى للإنتاج أو تخطيط الموارد — إلى نماذج رياضية يمكن حلها باستخدام برامج متخصصة مثل Excel Solver أو LINGO أو MATLAB.
هذه الأدوات لا تستخدم الأرقام فحسب، بل تحوّل الأهداف والقيود إلى معادلات تساعد المهندس على الوصول إلى أفضل حل ممكن ضمن مجموعة من الاحتمالات. وهكذا تنتقل دوال بسيطة، درسناها في الرياضيات، لتصبح في أيدي المهندسين أدوات استراتيجية تصنع القرارات وتوجّه المصانع نحو الكفاءة والتطور.