٤ أكتوبر ٢٠٢٥
العدل هو الأساس الذي قامت عليه هذه الدولة، وهو النهج الذي وحّد صفوفها ورسّخ استقرارها منذ يومها الأول. ومن يحاول المساس بهذا النهج أو تشويهه ببث السموم الفكرية والإيحاءات المضللة، فإنه يرتكب جريمة تمس الدين والعقل والأسرة والمجتمع بأسره. وقد سبق أن حذّر العقيد تركي الحربي – المتحدث الرسمي لرئاسة أمن الدولة – من خطورة مثل هؤلاء الأشخاص الذين يتلاعبون بالعقول ويهددون الأمن الفكري، مؤكدًا أن هذه الأفعال ليست مجرد انحرافات فردية، بل تهديد مباشر للأمن الوطني يستوجب المواجهة الصارمة بالشرع والقانون. فالعدل باقٍ، وألدّ الخصام زائل
في زمن تتسارع فيه التحولات، يبرز خطر بعض العقول المنحرفة التي اتخذت من بث السموم الفكرية سبيلًا للتأثير على الآخرين. أخطر ما في الأمر حين يستهدفون أقدس اللحظات؛ أوقات العبادة، خصوصًا عند صلاة الفجر، حيث تُبث الإيحاءات المضللة للتشويش والتنويم، فيُصرف المؤمن عن فرضه وخشوعه. وقد قال النبي ﷺ: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد… فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» [رواه البخاري ومسلم]. فإذا كان الشيطان يسعى لتعطيل الصلاة، فما بالك بمن يتعمد أن يزرع أفكارًا مصطنعة تُبعد العبد عن ربه وواجباته؟
ويمتد هذا الخطر إلى تغييب الأفراد عن وعيهم بدوافع شيطانية، رجالًا ونساءً، حتى تُستغل لحظات ضعفهم في التلبيس والتشويه. وكان نصيب المرأة أشد، إذ تحملت أذى متواصلًا، خرجت تريد الخير ورضاء الله، وربّت أبناءها على الصلاح، لكنها صمتت صبرًا واحتسابًا، حتى أنهكها المرض وربما انتهى بها الأمر إلى الموت. صمتها لم يكن جهلًا ولا خوفًا ولا قلة وعي، بل كان رضاءً بالله، وإيمانًا بأن عدل الله أوسع من كل ظلم بشري.
لقد شهد مجتمعنا حالات مؤلمة تؤكد هذا الأذى. امرأة أرادت الخير، وصبرت على بيتها وأبنائها، لكن نالتها أيدٍ خفية ببث أفكار مضللة وإيحاءات في صلاتها، وتشويش في عبادتها، حتى وصل الأمر إلى تهديدها صراحة بقطع رأسها ورميه في سلة النفايات! وفي أوقات أخرى، أُرسلت إليها صور ذهنية مُهينة تُصور رأسها تحت الأقدام في محاولة لإذلالها وكسر كرامتها. ورغم هذا كله، بقيت صامدة، صامتة لا ضعفًا ولا خوفًا، وإنما صبرًا واحتسابًا لوجه الله، مؤمنة بأن عدل الله ثم عدل الدولة سيعيد لها كرامتها ولو بعد حين. لكنها دفعت ثمن صبرها مرضًا ومعاناة حتى آخر لحظات حياتها.
خطر الخصام على المجتمع
ولم يتوقف الأمر عند الأفراد، بل توسع ليطال المجتمع. إذ تُمارس أساليب خفية للتفريق بين الأزواج، وزرع الشكوك بين الإخوة والأصدقاء، والتقرب بالهدايا الملتوية والكلام المزخرف للسيطرة على المقربين. ثم إذا انكشفت الحقيقة، يُبث التشويش ويُزرع النسيان لإيهام الناس بأن الضحية وحيد في معاناته.
ويتجلى الانحراف أيضًا في أبسط تفاصيل الحياة اليومية. فقد نهى النبي ﷺ عن النفخ في الطعام والشراب لما فيه من ضرر وسوء أدب، لكنهم جعلوا من هذا السلوك الفردي ذريعة للطعن في القادة والمجتمع بأسره. وهكذا يُحوَّل خطأ شخصي صغير إلى قضية عامة مفتعلة، والغاية ليست الإصلاح بل التشويه وزرع الفتنة.
وهنا يظهر ألدّ الخصام: حين يُستغل غياب الوعي لتزييف الواقع، وحين يُحمل الأبرياء وزر غيرهم، وحين يتحول الصمت الطاهر إلى باب للاتهام. وقد قال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. فالخطأ فردي، ولا يجوز أن يتحمله القادة ولا المجتمع ولا الأبرياء. ولهذا يجب أن يقال بصرامة: أنت أخطأت وتتحمل خطاك.
تحذير أمني
وقد سبق أن حذّر العقيد تركي الحربي – المتحدث الرسمي لرئاسة أمن الدولة – من خطورة هذه الفئة التي تتلاعب بالعقول وتهدد الأمن الفكري، مؤكّدًا أن الأمر ليس مجرد انحراف فردي، بل تهديد مباشر للأمن الوطني، يستوجب الحزم بتطبيق الشرع والنظام.
القصاص حياة وعدل
وإذا بلغ هذا الانحراف حد الإضرار بالنفس أو القتل المعنوي أو المادي، فإن الأمر يندرج تحت أحكام الشرع، ومنها حد الله: القصاص، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.
عدل الله ثم عدل الدولة
وفي هذا السياق، نستذكر كلمة خالدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – حين قال:
«إن هذه الدولة تأسست وتوحدت على العدل».
إن المرجع الأول والأخير هو عدل الله، فهو الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة. وبعد عدل الله يأتي عدل الدولة، لأنه انعكاس لما شرع الله، ولولا عدل الله ما كنا تحت حكم آل سعود، ولا توحدت هذه البلاد على كلمة سواء. وهنا وجب التوضيح: الواو تفيد العطف والمساواة، أما ثم فتفيد الترتيب مع التعظيم. ولهذا نقول: لا يصمد ألدّ الخصام أمام عدل الله ثم عدل الدولة.
فالعدل أساس الدولة، وأما ألدّ الخصام فهو زائل لا محالة، لا يقوم أمام الحق، ولا يصمد أمام عدل الله ثم عدل الدولة